mercredi 29 mai 2013 | By: bacchus

نوارة الموت



        

نوارة الموت

آخر ما كتب الشاعر قبل وفاته

شعر:محمد البقلوطي

 أينعت دمعتي في عناقيدها
فبكى القلبُ نهرا وفاضْ
قلت مالي أنا
ما لعمري يمضي سريعا
أأترك خلفي بلادي بألوانها، وبنُوّارها
وبأحلى حبيباتي عمري
وأرحل مثل الخطافْ
أنا.. لا أخافْ
غير أنّي متى شدّني الموت من عنقي
ومشى بي بخطو ثقيلْ
لم أكن وقتها جاهزا للرحيلْ
كان عندي قصيد جديد لليلى
أشعّ ولم يكتملْ
كان عندي كلام كثير لزهرة
أنا لم أقله لذلك لم أحتملْ
كان عندي رفاق كثيرون جاؤوا تباعا من البار
يبكون حولي
يقولون لي : لا تمت يا محمّدْ
يقولون لي / هزّ غصنك أعلى
وأطلقْ طيوركَ
دعْها تغرّدْ
يقولون لي :
أنت أروعُ من خمرة
أنت أينعُ من زهرة بين خضر الضفافْ
فلماذا أموت سريعا
لماذا أموت سريعا
وأترك خلفي بلادي
بألوانها، وبنوّارها
وبأحلى حبيباتي عمري
وأرحلُ نوّارة في الجفافْ
إلاهي حبيبي
لقد ضيّع القلب بستانه
فمشى الورد في الطرقات كئيبا عليْ
إلاهي حبيبي
بسطت يدي إليكَ
فما نوّرتْ نجمة في طريقي ولا أزهرت عشبة في يديْ
إلاهي حبيبي
ألست القدير على كلّ شيء؟
أم ترى عاجز أنت عن فتح صدري
لكي تبصر ما جرى في عروقي وفي كليتيْ
إلاهي حبيبي
لقد تعبت أضلعي من بياض الأسرّة، ومن غموض الطبيب
فخذني لبيتي
أعدني لبيتي
ودعني لبيتي
ودعني أحبّ حبيبي
أنا عاشق يا إلاهي
وعندي جنوني، وعندي لهيبي
أنا لي حنين الصباح إلى الأزرقين
وعندي غناء الدوالي فراشا يرفّ على طرف عيني
وعندي ما يملأ الأرض بالياسمين لأصلح ما بين روحي وبيني
فكيف إذن خنتني مرّتين؟
وكيف تداع الخطاف؟ لماذا تداع الخطافْ؟
ولماذا أموت سريعا؟
ولماذا أموت سريعا؟
وأترك خلفي بلادي
بألوانها، وبنوّارها
وبأحلى حبيباتي عمري
وأرحلُ نوّارة في الجفاف
++++++
لم أمت
ها أنا لم أمت
غير أنّي رجعت إلى حقل عمري
كما تبنة ذابلة
أتملى جراحي
وأحصي انكسارات عمري
وأبكي على خطوتي القاحلة ْ
لم أمت
غير أني ندمت على فرصتي الراحلةْ
لو تركت الحديقة ترتاح من وردها
لو تركت البلابل تيبس في عشّها
لو تركت العناقيد تبكي على بعضها
لأرحت الأحبّة من حلمها
إنّما كان عندي قصيد جديد لليلى
أشعّ ولم يكتمل
كان عندي كلام كثير لزهرة
أنا لم أقله
لذلك لم أحتمل
كان عندي رفاق كثيرون
جاؤوا تباعا من البار
يبكون حولي
يقولون لي : لا تمت يا محمّد
يقولون لي
 هزّ غصنك أعلى
وأطلقْ طيوركَ، دعْها تغرّدْ
يقولون لي :
أنت أروعُ من خمرة
أنت أينع من زهرة بين خضر الضفافْ
فلماذا أموت سريعا ؟
وأترك خلفي بلادي
بألوانها، وبنوّارها
وبأحلى حبيباتي عمري
وأرحلُ نوّارة في الجفاف؟  

                                 12 جويلية 1993


[ من مجموعته الشعرية "كن زهرة .. وغنّ" منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ، 1994]

1 commentaires:

bacchus a dit…

تجميع الدكتور خالد الغريبي
- اهتمّت بعض البحوث الجامعية والنقدية العامة بدراسات أعماله، وأبدى الباحثون آراءهم فيها، نقتصر على ذكر بعضها:
من أقوال النقاد والباحثين:

<< وكنت وأنا أقرأ شعره أعجب بأمرين اثنين: رهافة الحسّ يزاوج عمق المعنى, وجمال الكلام يمازج نعومة الأسلوب.>> الأستاذ المنجي الشملي ( من مقدمة مجموعته: في موسم الحب)
******
<< هذا الشعر يختزن رهافة مدهشة, وعلى درجة كبيرة من الإبداع الفني والبساطة التي تذكرنا بشاعر تونس الخالد " أبوالقاسم الشابي" >> الأديب فخري قعوار (من كن زهرة .. وغنّ)
******
<< من هذين الرافدين الوجودي والوطني تتشكّل ملامح الأزمة التي تمسك بعنان هذه المجموعة وتتجاذبها ثنائيات متعدّدة: بالذات والموضوع, اليأس والأمل, الحياة والموت, الريح والرخام, الحلم والواقع, الكلام والصمت. وقد اختار "البقلوطي " الخطاب الشعري للتعبير عن هذه الأزمة الحارقة, فجاءت لغته بريئة ولكنها محمّلة بالحوار الداخلي وكأن الكلمات فيها مرآة مهشّمة لا تعكس الواقع على نحو بسيط وإنما تنشئه خلقا جديدا..>> الأستاذ محمد القاضي ( من كتاب محمد البقاوطي شاعرا وإنسانا).
******
<< هل انتهى البقلوطي إذن, وعشّش في وجدانه الموت وفي خلاياه الفناء ؟؟ أبدا, فرغم حدة المأساة و رغم غور الجراح كان الشاعر قادرا على أن يعلن بعناء العاشق وإصرار الفنان " كن زهرة..وغن", لكلّ هذا كان البقلوطي قادرا على أن يصرخ وهو يعاني, ويعاين ذبول الجسد وعجزه عن مصارعة المرض ومغالبة الموت: لم أمت..ها أنا لم أمت. >> الأستاذ نورالدين بوجلبان ( من كتاب محمد البقلوطي شاعرا وإنسانا)
******
<< حين أرهفت السمع إلى شعر محمد ألفيته شعرا يتوغّل بقارئه في أصقاع ذاته, فيفيض به الوجع ويلمّ به فرح غامض أحيانا…هو شعر يرجّك بوضوحه, بل إن وضوحه يستغرقك حتى تخشى من غموضه, "أليس أقصى الوضوح هوالغموض " كما يقول محمود درويش >> الأستاذ خالد الغريبي ( من كتاب محمد البقلوطي شاعرا وإنسانا).

Enregistrer un commentaire